الأربعاء، 9 يونيو 2010

موقع الوقت يكتب عن يدوية

http://www.alwaqt.com/art.php?aid=125079


العدد 894 السبت 29 رجب 1429 هـ - 2 أغسطس 2008 العدد الجديد الصفحات المصورة الأرشيف بحث

» القائمة الرئيسةمحاولات لرسم شكل بديل: سقوط الناشر.. صعود النساخين!

نائل الطوخي:
النص يصبح لوحة، والكتابة تتحول بالتدريج إلى عملية رسم، هذا ما أكدته تجارب مختلفة شهدتها مدينتا القاهرة والإسكندرية حاولت تلبية هذا الطموح القديم لدي الكاتب: طموح اللعب البصري بالكلمات. وبما أن دور النشر لا تلبي في الغالب التطلعات الأكثر ثورية للأدباء، فإنهم يضطرون للجوء إلى أموالهم القليلة وطباعة تجاربهم على حسابهم. الكاتب الراحل محمد ربيع مثلا، والذي أصر أحيانا على رغبته فى الكتابة من الأسفل لأعلى ومن اليسار لليمين أحيانا، تجاهل سلطة دار النشر ولم يتعامل إلا مع طابعة منزلية وماكينة تصوير ل''نشر كتبه''.
تجربة محمد ربيع ليست فريدة ومحاولات التمرد على الأشكال المطبعية التقليدية قائمة طوال الوقت. فبدءا من عام 98 أصدر الكاتب السكندري ماهر شريف عددين من مطبوعة بعنوان ''يدوية''، العدد الاول كان نصا نثريا بعنوان ''شعيرات اسمها الفضيلة'' لشهدان الغرباوي، والثاني كان مجموعة نصوص ل'' شمس الدخاخني''. النصان كانا مكتوبين بخط يد ماهر، مضافا إليهما رسوما وأشكالا طباعية مبتكرة. توقف ماهر وقتها كثيرا حتى عاد عام 2005 بالعدد الثالث من ''يدوية'' وهو مجموعته القصصية ''ألف حكاية وحكاية''، وتلتها ''خبطة شمس'' لأشرف فتحي ثم ''رغاوي البيرة الساقعة'' لأمينة عبد الله، وكلها مكتوبة بخط يد ماهر، بالإضافة إلى رسومه التي ترافق أحيانا أوائل الفصول. ويعد ماهر الآن لعددين جديدين هما ديوان عامية بعنوان ''حاجات مش حزينة أوي'' لصفاء عبد العال، وقصص ''حكايات أولاد المالح'' لأحمد مصيلحي، كما يضع في خطة نشره للفترة القادمة نصا نثريا طويل لنورا أمين بعنوان ''النص''، وقصص بالعامية بعنوان ''حيطة وردي'' لإيمان عبد الحميد.
يصدر من كل كتاب حوالي خمسة وخمسين نسخة. لو ارتفع عدد النسخ فسوف تقل التكلفة المادية ولكنها ستكلف مزيدا من التعب: ''أنا أرسم غلاف كل نسخة بنفسي، لا أطبعها. وأضيف رسومات وألونها بنفسي في كل نسخة.'' أما بالنسبة لتكلفة الكتاب فهي تتراوح بين مئتي و مئتي وخمسين جنيها. وأحيانا ما يشترك ماهر وصاحب العمل في تحمل التكلفة سويا، فالنسخة الواحدة تباع بثلاثة جنيهات، وبالتالي فهي لا تغطي تكاليفها.. لا ننسى أن الحديث هو عن خمسين نسخة فحسب من كل كتاب.
ما الاختلاف بين الفكرة كما بدأت في 98 والآن؟ يجيب ماهر: ''كان الوضع وقتها مختلفا، كانت فكرة النشر مبهرة، بالنظر إلى تعقيدات عملية النشر. الآن لم يعد المهم في الموضوع هو موضوع النشروإنما الفكرة أضحت نفسية وشخصية. إصدار كتاب مكتوب بخط اليد وبنسخ محدودة، مثل فكرة نسخ الكتب القديمة، وأن كل كتاب يحمل بعضا من شخصية المصمم.'' والاختلاف في آداء ماهر نفسه: ''الآن عندما أشاهد تصميماتي القديمة أضحك. كانت خطوطي فيها طفولية للغاية''. واختلاف آخر: في العددين الأولين كان ماهر يقوم بنفسه بنسخ نسخ العدد كلها، وكانت وقتها عشرين نسخة من كل عدد، أما الآن فهو يعتمد على آلة التصوير، باستثناء الغلاف الذي يرسمه بنفسه في كل نسخة.''
تجربة شبيهة بتلك قام بها الشاعر رفعت سلام في ديوانه ''حجر يطفو على الماء'' الصادر مؤخرا عن دار ''الدار''، إذ قام هو نفسه برسم لوحاته التي كانت مجاورة للقصائد، وأكثر من هذا، فقد قام بكتابة الشعر في هوامش الكتاب، الذي أخذ قطعا غير تقليدي، وصنع أشكالا غريبة داخل الصفحة الواحدة حيث تتحرك كل قصيدة من القصائد في اتجاهات مختلفة، وللتمييز بين الأصوات التي تتحدث في ديوانه قام باستخدام بنط مختلف لكل صوت. عن الهدف من هذا التنوع البصري يقول: '' في بداياتي كنت أكتب أصواتا شعرية مختلفة، ولكن كل صوت كان يتحدث بالتناوب بعدما ينتهي حديث الصوت السابق له، في هذا الديوان قررت صنع تعدد صوتي، حيث كل الأصوات تتحدث في نفس الوقت، وهو ما يجعل الصفحة مليئة بأشكال مختلفة من الشعر في نفس اللحظة. يشاهد القارئ الفقرات المختلفة في كل صفحة ولا يعرف أيها عليه قراءتها في البداية، ولكن هذا بالضبط هو ما يحدث للشخص عندما يسمع أصواتا متعددة تتحدث في نفس اللحظة. إنه ببساطة يتابع الصوت الذي يجذب انتباهه أكثر. حاولت أن أقدم شيئا شبيها بهذا هنا أيضا.''
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

الشاعر محمد رجب يصدر من الإسكندرية كراسات صغيرة تحوي نصوصا أدبية بعنوان ''بعلم الوصول''، يضعها في أظرف بنية اللون ويرسلها بريديا إلى القراء الذين دفعوا له اشتراكا قيمته أربعين جنيها سنويا، ويحصلون بمقتضاه على إثني عشر كراسة من كراسات ''بعلم الوصول''، بالإضافة إلى بوست كارد يحوي صورة فوتوغرافية يتم توزيعه مع النص. وأحيانا ما تضيع النسخ في الطريق إثناء إرسالها بريديا. والحل بسيط في هذه الحالة: يقوم رجب بإعادة الإرسال ثانية.. فالنسخ الفائضة عنده كثيرة.
فكرة ''بعلم الوصول'' بدأت في نهاية العام الماضي، ومنذ ذلك الحين صدرت ثلاث كراسات أولها قصائد بعنوان ''مشاهد عادية'' لمحمد رجب، وثانيها مسرحية قصيرة بعنوان ''نقطة، مسافة، علامة استفهام'' لعز الدين درويش والثالثة هي قصائد بعنوان ''ستائر بيضاء'' لسلمى البنا''. يقول محمد رجب: ''طبعنا العددين الأولين وبدأنا على إثرهما في تكوين شبكة من المعارف والأصدقاء. ولكن الغريب أن المهتمين لم يكونوا هم من توقعناهم، من الأدباء والمسرحيين والتشكيليين، وإنما موظفو بنوك ومحاسبون من الإسكندرية والقاهرة.'' جمع رجب حتى الآن مئة اشتراك، وهو عدد ليس كثيرا في مقابل ألف نسخة يطبعها، وبالتالي يضطر للدفع من جيبه. وهو ما يدفعه للبحث عن رعاة، لذلك مثلا قام بتصميم مساحة فارغة على غلاف الكتاب الثالث ''ستائر بيضاء''، وذلك لكي يلفت نظر الراعي إلى إمكانية وضع شعاره الخاص به هنا. اعتماد رجب الأساسي حتى الآن في تمويل مشروعه هو على الاشتراكات: ''أرفض أن أبيع نسخ من المشروع لمن أقابلهم، فأنا لست تاجرا، وفي المقابل فإن كل من أقابله يتوقع أن أهديه نسخة من المشروع.'' كما اتفق مع مقهى ''بوينوس'' بالإسكندرية على عرض نسخ من مجموعته هناك. ويأمل في أن يكون هذا طريقا للوصول إلى الرعاة!
الشاعر سمير عبد الباقي صاحب تجربة مهمة في هذا الصدد، هي مطبوعة ''شمروخ الأراجوز''، والتي بدأ في طباعتها منذ خمس سنوات وأصدر العدد الثالث والخمسين منها مؤخرا. وهي تحوي قصائد ورسوم كلها لسمير نفسه ويتم توزيعها على القراء والأصدقاء والمعارف، سواء بشكل مباشر أو من خلال البريد.
الفكرة ليست مفاجئة بالنسبة لعبد الباقي، فلقد طبع من قبل ديوان ''رسائل إلى ليلى العامرية'' على ورق لحمة، كما يقول، كما كتب مجلة حائط عن اغتيال كمال جنبلاط وطبع من ''دفاتر العامية لمصرية'' 11 دفترا على حسابه الشخصي. هذا هو السبيل في نظره لتجاوز مشكلة النشر. يقول: ''لن أنتظر عطف الصحفي ولن أنافق رؤساء التحرير حتى ينشروا لي شيئا.''
عرض عليه الكثير مشاركته في إعداد وإصدار مطبوعة ''شمروخ الأراجوز'' ولكنه رفض. اعتبرها صوتا ذاتيا للتعبير عن نفسه. ولكنه لفترة أنشأ فيها بابا بعنوان ''المضيفة'' نشر فيه للشعراء الذين كانوا يرسلون له قصائدهم لنشرها، ولكنه لم يكن ينشر إلا القصائد المتوافقة مع خط المجلة، الذي يتسم بالسخرية من الفساد والطغيان المستشري في البلد: ''اسم المجلة نابع من كون الأراجوز دائما كان يستعمل عصا للهجوم على الأوضاع التي لا تعجبه، أما في زمننا هذا فالأراجوز لن يحتاج أقل من شمروخ حتى يضرب الفاسدين واللصوص.''
ليس لدى عبد الباقي الإمكانيات المادية لتحويل مطبوعته إلى مجلة ثابتة، هو يصرف على المجلة من إسهامات القراء: ''سعر النسخة المسجل عليها الآن هو جنيه، وكانت المطبوعة قد بدأت وسعر النسخة ربع جنيه''، ولكن الدفع غالبا ما يتم بشكل تطوعي: ''هناك الكثيرون ممن يتعهدون لي بإصدار عدد كامل على نفقتهم الخاصة ولكنني أرفض في الغالب.'' هو يريدها صوتا ذاتيا له ويصر على هذا، لهذا فإن رده التلقائي عندما سئل عن رؤيته لمصير ''شمروخ الأراجوز'' فيما بعد، كان رده الموجز هو: ''ستتوقف عندما أموت''.

اض

ليست هناك تعليقات: