محاولات لرسم شكل بديل: سقوط الناشر.. صعود النساخين!
النص يصبح لوحة، والكتابة تتحول بالتدريج إلى عملية رسم، هذا ما أكدته تجارب مختلفة شهدتها مدينتا القاهرة والإسكندرية حاولت تلبية هذا الطموح القديم لدي الكاتب: طموح اللعب البصري بالكلمات. وبما أن دور النشر لا تلبي في الغالب التطلعات الأكثر ثورية للأدباء، فإنهم يضطرون للجوء إلى أموالهم القليلة وطباعة تجاربهم على حسابهم. الكاتب الراحل محمد ربيع مثلا، والذي أصر أحيانا على رغبته فى الكتابة من الأسفل لأعلى ومن اليسار لليمين أحيانا، تجاهل سلطة دار النشر ولم يتعامل إلا مع طابعة منزلية وماكينة تصوير ل''نشر كتبه''.
تجربة محمد ربيع ليست فريدة ومحاولات التمرد على الأشكال المطبعية التقليدية قائمة طوال الوقت. فبدءا من عام 98 أصدر الكاتب السكندري ماهر شريف عددين من مطبوعة بعنوان ''يدوية''، العدد الاول كان نصا نثريا بعنوان ''شعيرات اسمها الفضيلة'' لشهدان الغرباوي، والثاني كان مجموعة نصوص ل'' شمس الدخاخني''. النصان كانا مكتوبين بخط يد ماهر، مضافا إليهما رسوما وأشكالا طباعية مبتكرة. توقف ماهر وقتها كثيرا حتى عاد عام 2005 بالعدد الثالث من ''يدوية'' وهو مجموعته القصصية ''ألف حكاية وحكاية''، وتلتها ''خبطة شمس'' لأشرف فتحي ثم ''رغاوي البيرة الساقعة'' لأمينة عبد الله، وكلها مكتوبة بخط يد ماهر، بالإضافة إلى رسومه التي ترافق أحيانا أوائل الفصول. ويعد ماهر الآن لعددين جديدين هما ديوان عامية بعنوان ''حاجات مش حزينة أوي'' لصفاء عبد العال، وقصص ''حكايات أولاد المالح'' لأحمد مصيلحي، كما يضع في خطة نشره للفترة القادمة نصا نثريا طويل لنورا أمين بعنوان ''النص''، وقصص بالعامية بعنوان ''حيطة وردي'' لإيمان عبد الحميد.
يصدر من كل كتاب حوالي خمسة وخمسين نسخة. لو ارتفع عدد النسخ فسوف تقل التكلفة المادية ولكنها ستكلف مزيدا من التعب: ''أنا أرسم غلاف كل نسخة بنفسي، لا أطبعها. وأضيف رسومات وألونها بنفسي في كل نسخة.'' أما بالنسبة لتكلفة الكتاب فهي تتراوح بين مئتي و مئتي وخمسين جنيها. وأحيانا ما يشترك ماهر وصاحب العمل في تحمل التكلفة سويا، فالنسخة الواحدة تباع بثلاثة جنيهات، وبالتالي فهي لا تغطي تكاليفها.. لا ننسى أن الحديث هو عن خمسين نسخة فحسب من كل كتاب.
ما الاختلاف بين الفكرة كما بدأت في 98 والآن؟ يجيب ماهر: ''كان الوضع وقتها مختلفا، كانت فكرة النشر مبهرة، بالنظر إلى تعقيدات عملية النشر. الآن لم يعد المهم في الموضوع هو موضوع النشروإنما الفكرة أضحت نفسية وشخصية. إصدار كتاب مكتوب بخط اليد وبنسخ محدودة، مثل فكرة نسخ الكتب القديمة، وأن كل كتاب يحمل بعضا من شخصية المصمم.'' والاختلاف في آداء ماهر نفسه: ''الآن عندما أشاهد تصميماتي القديمة أضحك. كانت خطوطي فيها طفولية للغاية''. واختلاف آخر: في العددين الأولين كان ماهر يقوم بنفسه بنسخ نسخ العدد كلها، وكانت وقتها عشرين نسخة من كل عدد، أما الآن فهو يعتمد على آلة التصوير، باستثناء الغلاف الذي يرسمه بنفسه في كل نسخة.''
August 22, 2008 at 6:09am
الخميس، 6 مايو 2010
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق